« فإذا حرركم الابن... صرتم بالحقيقة أحراراً» (يوحنا 8: 36)
بحرية أبناء
اللـه، تداعينا إلى لقاء اليوم، لأننا لا نلتمس إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً،
ولا نهدف ولا نبتغي إلا أن تبقى الأرثوذكسية بأبنائها وفيًة لدم يسوع، أمينة
لوصاياه، وان يبقى بريق قداستها وقديسيها مستمداً من نور السيد، ومن نور السيد
فقط، الذي به نعاين النور وبدونه نغرق جميعاً في لجة الظلام.
كان من
المفترض أن نلتقي، بدعوة من اللقاء الرعائي الأرثوذكسي لنشد الأيدي، ونسير سوياً
مع سائر الغيارى، بإتجاه المطالبة بتعزيز مشاركة المؤمنين في حياة كنسيتهم، بوضع
القوانين الأنطاكية - ولا سيما قانون المجالس- على سكة التطبيق.
فالمشاركة،هوية
الأرثوذكسية وفرادتها،والتعليم الارثوذكسي حول الكنيسة متلازم مع مصطلحات صيغت
بحبر القلوب الخاشعة، كالشركويًة والمواهبيًة والمجمعيًة ،والاوليًة بين المتساوين.-هذه
المصطلحات-لا تشبه الا الارثوذكسية ولا تعبر الا عنها.وكل تجاوز او مخالفة لها لا
يشبه الارثوذكسية ولا يعبر اطلاقاً عنها.
فالمطالبة
بتطبيق القوانين ،هي مطالبة بتطبيق هذه القيًم،والدخول بمصالحة مع روح
الارثوذكسية،وازالة المسافة المصطنعة بين التعليم والواقع الحالي.
فبالمشاركة
المبنية على الحوار بين جميع المؤمنين وتكريس المواهب وتنميتها لخدمة البنيان،تستعيد
كنيستنا الأنطاكية، عافيتها وحضورها ودورها الشهادي، وتعزز رسالتها المشرقية.
ومن المؤكد
أن الكثير الكثير من القضايا والمشاكل والتحديات،ولا سيًما المتعلقة بمواضيع االتعاون
والتعاضد والنزوح وما يترافق معها اليوم من قلق حول الدور والوجود والمصير،كان
سيتوفر لها اليات وامكانيات ومقاربات ومعالجات،تصدر عن الجماعة المتشاركة،فيما لو
سمح بتحقيق المشاركة،بدلاً من ويلات الفراغ والصمت والعجز،الناتتج عن الفردية
والتفرد.
اخوتي
إن القوانين،
الكنسية، والأنظمة الأنطاكية ليست موضوع حفظ وإحترام في كنيستنا الأنطاكية-رغم
المطالبة والملاحقة منذ عقود- وهذا أمر مسبب للألم، لأن في إحترام القوانين، تعبير
عن الوحدة وإلتزام مع الأخوة المؤمنين، وتربية على الطاعة وترسيخ للوعي، وحفظ من
التفرد والشطط.بل الاكثرمن ذلك،
وبخلاف
القوانين المدنية، التي يحتاج تطبيقها إلى سلطة آمرة وقوة زاجرة، فإن ضمانة تطبيق القوانين الكنسية تنحصر بتوفر الارادة
الحرة والواعية والمسؤولة، والأمانة للتعليم والاخوة، و الرغبة بتسيير الأمور
بلياقة وترتيب.
ولأن كنيستنا
أنطاكية، تزخر بالوجوه، الواعية والناضجة، المستنيرة، والنهضوية، قررنا مع اللقاء
الرعائي الأرثوذكسي وسائر المؤمنين، السير معاً، في مسيرة لا تراجع فيها، ولا توقف،
بل إقدام وتطلع إلى الأمام، واستعداد لمواجهة كافة التحديات، وتسلح بالصلاة
والرجاء، من أجل تطبيق القوانين وتحقيق المشاركة.
كنا بصدد
العمل والتصميم وتوحيد الجهود للدفع بتطبيق القوانين، الى ان طرأ طارئ، تمثل بإدراج
المجمع المقدس، على جدول أعمال دورته
القادمة بنداً يتعلق بإنشاء "الهيئة المدنية للروم الأرثوذكس في لبنان."
وما أن تسربت
الورقة التي تحتوي مشروع نظام هذه الهيئة، كونها محاطة بالسرية والكتمان!!! وجرى
تدارسها والتداول بها في الأوساط المنخرطة في العمل الكنسي، من كهنة ورهبان
وراهبات وشباب وشابات ،لا سيما العاملين من خلال حركة الشبيبة الأرثوذكسية، حتى هب
الجميع رافضين ما جاء فيها، مؤكدين بمسؤولية كبيرة، وغيرة رسولية وحرية ضمير عن
قلقهم الكبير، من النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنتج عن إقرارهذا الاقتراح،
ترافقاً مع إظهار الألم الشديد، من مجرد إدراجها وعرضها على المجمع، ودون أن تكون
موضع نقاش، أو موضوع حوار، وكأن معديها يخجلون بها.!!!
ومن الأمور
التي تستدعي رفض هذه الهيئة على سبيل التعداد لا الحصر.
أولاً: أن الهيئة وكما يستدل من أسمها، «الهيئة المدنية» توحي
بفصل ما هو مدني عن ما هو روحي، أو «غير مدني» وهذا تعليم دخيل على
الارثوذكسية،ومخالف لها،حيث لا فصل بين الأمور الروحية والأمور المادية.
ثانياً: أن عضوية الهيئة محصورة فقط، بأشخاص بلغوا مراتب عليا
في الرتبة والراتب بمفهوم هذا الدهر، بمعزل عن مدى حضور الكنيسة في حياتهم أو
حضورهم في حياة الكنيسة. مما ينسف- للأسف- التعليم الثابت حول الكنيسة المواهبية،
الشركوية، ويكرس بالنص، التمييز بين المؤمنين، ويقيم تحالفاً جهنمياً بين الكنيسة
من جهة والسلطة والمال من جهة أخرى.مقصياً وبفوقية اعداد كبيرة من المؤمنين، علماً
أن مقدمة النظام المقترح، تنص على أن الهيئة ستجمع القوى الأرثوذكسية الحيَّة،
وبحسب هذا التعريف هناك طريق واحدة تجعلك من هذه القوى الحية، ليست بالضرورة طريق
التوبة والصلاة والثقافة الكنسية والتزام قيم الإنجيل، بل أن تكون في منصب مرموق
إدارياً، وتملك رأسمالاً يجيز لك تأسيس شركةتضم مئة موظف، فهي طريق أكثر ضمانة لتحسب
في عداد القوى الأرثوذكسية الحية!!!.
ثالثاً: أن الهيئة المقترحة، بحسب مشروع النظام العائد لها لا
تولي المجمع المقدس الذي يمثل الكنيسة الأنطاكية ككل، أي صلاحية بشأنها من قريب أو
بعيد، وهي مدعوة للتعاطي بشؤون الكنيسة في لبنان فقط، لذلك نعتبر وبصدق، أن هذا
المنحى، يشكل تهديداً حقيقياً على وحدة الكرسي الأنطاكي ويشكل سابقة تسمح بقيام
هيئات مماثلة في سوريا وفي بلاد الإنتشار، فتكون النتيجة ما يشبه فدرالية كنائس
بحسب كل دولة!؟ وتكون وحدة الكرسي الأنطاكي في مهب الريح.
كما ينص
مشروع النظام على صلاحيات، هي أقرب إلى عناوين منها إلى صلاحيات بالمفهوم الدقيق
والمحدد، مما يفتح المجال أمام تفاسير وتطبيقات، لا احد يعرف مداها، وتحكمها فقط
موازين القوى ضمن هذه الهيئة المقترحة.
رابعاً: ان المشروع المقترح، لا يحمل في طياته أي طابع شهادي،
أو روحي، و ينحصر إهتماماته بتعزيز مواقع الطائفة.
خامساً: من المسلم به، أن الطائفة، بكل كياناتها، وأركانها
ومؤسساتها وهيئاتها، ان لم تكن مقادة بفكر الكنيسة وتعليمها، تتحول إلى صنم .
وأن ما يطرح اليوم عبر إقتراح تشكيل الهيئة المذكورة،
يجعل الطائفة في موقع القائد والمؤثر للمسيرة الكنسية، ما يحجب صورة المسيح، في
كنيسته، فتصبح الدعوة للتصارع مع باقي المجموعات، والإنزلاق إلى لعبة المصالح، هي
السائدة بدلاً من الإنفتاح على الآخر بالحب، وفقاً لوصية السيد، ويتحول الآخر الذي
صلب المسيح من أجله، من هدف للشهادة الى هدف للمكابرة والتكبر،
وليس بعد للصلاة والحياة الروحية أهمية، لأن عظمة
الطائفة تأتي من ثراء أبنائها المادي، وتبؤهم المناصب، والمراتب ومسايرتهم لأقوياء
هذا الدهر.
فيقع المحظور، الذي حذر منه سيادة
المتروبوليت جورج خضر، عندما قال: « إن إضمحلت الصلاة فينا، ولم نقرأ كلمة
اللـه، أمسى اللـه رمزاً، نلتف حوله لتبرير وجودنا، وهذا هو الكفر عينه أن نجعل من
اللـه وسيلة للوجود وهو هدف الوجود ».
إخوتي
اننا مدعوّون
أولاً وأخيراً إلى المبادرة برفض أي مشروع لا ينسجم مع الأرثوذكسية وإستقامتها
وأمانتها لقديسيها، ووفائها لقيم الإنجيل، دون تراتبية مختلقة بين مؤمن وآخر.
و لأننا نؤمن
ونبشر بالمسيح يسوع مصلوباً، بما فيه ذلك من عثرة لهؤلاء وجهالة لأولئك.
ولأننا هنا
كي نؤكد عهدنا، وننطلق بالتوبة والصلاة والرجاء، مجددين دعوة كل ابناء الكنيسة الأرثوذكسة، اليوم وغداً إلى
نهضة ثقافية فكرية وإجتماعية، متضرعين الى المصلوب القائم من الموت، أن يعطينا
نعمة كي نستمر بالحب والأمانة و الشهادة لإسمه، والعمل في خدمة كنيسته، متمثلين
بقديسيه.
أعلن باسم
حركة الشبيبة الأرثوذكسية وكل ألآباء والاخوات والاخوة،الذين آزرونا بصلواتهم وزودونا بدعمهم،رفضنا المطلق لمشروع
انشاء الهيئة المدنية للروم الارثوذكس،وان تحقيق اي هدف في الكنيسة مهما سما،لا
يمكن ان يتحقق،الا بآليات تنسجم بشكل كامل مع نظرة الكنيسة.
إخـوتي:
ليعرف الكل ان لقاءنا اليوم، هو بداية
التحرك، لا خاتمته ولحين رفض المجمع مشروع انشاء الهيئة المدنية للروم الارثوذكس
في لبنان،وأيضاً سنستمر بالتحرك مع اللقاء الرعائي الارثوذكسي من أجل تحقيق المشاركة
بدءً من تطبيق القوانين ، ولنكن جاهزين للتحرك والتكاتف ورفع الصوت حول أي أمر أو
قضية تستدعي التحرك.
ولنستعد بمزيد من التعاون، والتنسيق
والثبات ولننطلق مجتمعين ،مذخرين بالتوبة والصلاة والصبر والرجاء، عازمين أن لا
نرتاح، وأن لا ندع أحداً يرتاح، كي يكون المسيح ،السيد الأوحد، في كنيسته.
الأمين العام
إبراهيم رزق
في 29/09/2012
No comments:
Post a Comment